وكتب التفسير اختلفت في وصف طيور الأبابيل لكنها أبانت أن كلمة
الأبابيل هي بمعنى أن الطيور جاءت في جماعات كثيرة يتبع بعضها بعضا.
والسمامة التي في الحرم هي من أصغر أنواع طيور السمام لذلك تسمى
بالسمامة الصغيرة Little Swift، واسمها العلمي Apus affinis وهي من الأنواع التي اعتادت على العيش قرب الإنسان وأماكن
انتشارها في الجزيرة العربية من جدة ومكة شرفها الله تعالى شمالاً إلى عدن جنوباً،
وقد
رصدت في الكويت وفي الإمارات لكنها تعتبر جوالة أو طارئة في منطقة شرق الخليج
العربي. وتوجد كذلك في جنوب إيران وفي أفريقيا كلها وجنوب شرق آسيا في تايلند
وأندونيسيا وسنغافورة والفلبين، ولا تتواجد شمال المناطق المذكورة آنفاً إلا
نادراً.
والسمامة الصغيرة طير صغير يبلغ طولها 15سم ولون جسمها أسود رمادي
وهناك بياض واضح فوق بداية الذيل وفي الحنجرة تحت المنقار، والذيل قصير لاينقسم
إلى قسمين كطائر السنونو، والجناحان دقيقان وطويلان، وأرجلها قصيرة وضعيفة ولها
مخالب طويلة ومخلبها الخلفي معكوس وكل ذلك لتستطيع الوقوف على الأسطح الخشنة
العمودية، لأن الأسطح العمودية أسهل لها للانطلاق مرة أخرى للطيران في الجو من
الأرض
المنبسطة وأرجلها ضعيفة لا تستطيع القفز بينما أجنحتها طويلة سوف تضرب
الأرض إذا أرادت الطيران مرة أخرى، لذلك فهي لا تحط على الأرض أبداً.
ولخفة وزنها وطول أجنحتها تبقى طائرة أغلب وقتها وهي تصيد الحشرات وهي
طائرة وخاصة بعض أنواع النمل والبعوض، لذلك تعتبر السمامة من الطيور المفيدة لأنها
تحد من انتشار الحشرات الضارة.
والسمام تبقى طوال النهار في الجو وتشرب الماء وهي طائرة ولا تنزل إلى
أعشاشها إلا عند حلول الظلام، وبعض الأنواع الأوربية من السمام تتزاوج وهي في
الجو، والسمام من أسرع الطيور التي في حجمها إذ تبلغ سرعتها 110كيلو متر في
الساعة.
وقد عرفها العرب من قديم الزمان ورأوا أن أعشاشها في أماكن عالية وعلى
أسطح عمودية من الصعب الوصول إليها، لذلك قال العرب في أمثالهم "كلفتني بيض
السمام" للأمر الذي لا يستطاع.
وللسمامة رموش ريشية حول أعينها تحميها من اصطدام الحشرات، ولأعينها
غشاء شفاف كباقي الطيور ترى من خلاله عندما تغمض عيونها وهي تطير. وعادة تطير
بارتفاعات عالية تصل من 100 إلى 200
متر وتصدر أصواتاً عالية قد تكون مزعجة أحياناً وتفضل
الأماكن المفتوحة لتحوم في السماء بدون عراقيل وهي دائماً تطير بمجموعات.
وتبني السمامة الصغيرة أعشاشها بمجموعات صغيرة على الأسطح العمودية
للمباني وبين شقوق المباني وعلى أوجه الصخور الجبلية الشاهقة وفي أوقات بناء
الأعشاش يفرز لعابها مادة صمغية تستخدمها في لصق العيدان والريش والحشائش بالأسطح
العمودية وكذلك لصق البيض في العش.
أما سمامة النخيل وهي أيضاً غير مهاجرة وتوجد من جدة شمالاً إلى عدن
جنوباً، فهي تلصق عشها في سعف النخيل وتلصق كذلك بيضها، وهي تبيض عادة من 2 إلى 3
بيضات، ويظل العش معلقاً، وعند نقص الغذاء تترك الأنثى العش للبحث عن الغذاء ويطول
لذلك وقت فقس البيض، وعندما يفقس البيض يظل الفرخ معلقاً إلى اكتمال نمو ريشه وعند
نقص الغذاء قد يبقى الفرخ في العش لمدة ثمان أو عشرة أسابيع وهو معلقاً وعند
اكتمال نموه يترك العش ليطير بسهولة في الجو.
وطيور السمام غير طيور الخطاف فالسمام أجنحتها أطول وأدق من أجنجة
السمام، والسمام لا تستطيع الوقوف على الأغصان والأعمدة لكنها تستطيع الوقوف على
الأسطح العمودية بينما طيور الخطاف تستطيع ذلك.
وللسمام مخالب طويلة لتساعدها على
الوقوف على الأسطح العمودية كواجه المباني وأوجه الصخور العمودية.
ويوجد في الشرق الأوسط عموماً أنواع من طيور الخطاف يصل إلى 10 أنواع
4 منها نادرة وكلها طيور مهاجرة وإن كان بعضها شوهد يفرخ في المنطقة، والسنونو نوع
من الخطاف.
أما طيور السمام فيوجد منها في الشرق الأوسط 7 أنواع خمسة منها مهاجرة
والباقي هم السمامة الصغيرة وسمامة النخيل Palm
Swift وسميت كذلك لأنها تلصق أعشاشها على سعف
النخيل وتتواجد من جدة شمالاً إلى عدن جنوباً،
ويبلغ طولها 16سم وهي بلون رمادي
إلى أسود وعندما تطير يرى ذيلها مشقوق نصفين.
وقد جاء في كتاب لسان العرب لابن منظور (ت 711 هـ):
والسَّمام، بالفتح: ضَرْب من الطير
نحو السُّمانى، واحدته سَمامَة.
وفي (التهذيب): ضرب من الطير دون
القَطَا في الخِلْقَة.
وفي (الصحاح): ضرب من الطير والناقة
السريعة أَيضاً؛ عن أَبي زيد؛ وأَنشد ابن بري شاهداً على الناقة السريعة:
سَمام نَجَتْ منها المَهارَى،
وغُودِرَتْ أَراحِيبُها والمَاطِلِيُّ الهَمَلَّعُ
وقولهم في المثَل: كلَّفْتَني
بَيْضَ السَّماسِم؛ فسرَّه فقال: السَّماسِمُ طير يُشْبه الخُطَّاف، ولم يذكر لها
واحداً.
قال اللحياني: يقال في مثَل إِذا سُئل الرجل ما لا يَجِد وما لا يكون:
كلَّفْتني سَلَى جَمَلٍ، وكلفتني بَيْضَ السَّماسِم،
وكلفتني بيض الأَنُوق؛ قال:
السَّماسِم طير مثل الخَطاطيف لا يُقْدَر لها على بيض.
وجاء في كتاب مجمع الأمثال للميداني ( ت 512 هـ):
"كلَّفْتَنِي بَيْضَ
السَّمامِ"
هي جمع سَمَامة، ضَرْب من الطير مثل
الخطاف لا يُقْدَر على بيضه، ويروى "بيض السماسم" وهي جمع السمسمة، وهي
النملة الحمراء.
وجاء في تفسير القرطبي:
"وأرسل عليهم طيرا
أبابيل"
قال سعيد بن جبير: كانت طيرا من السماء لم ير قبلها، ولا بعدها مثلها.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنها طير بين السماء والأرض تعشش وتفرخ).
وعن ابن عباس: كانت لها خراطيم كخراطيم
الطير، وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة:
كانت طيرا خضرا، خرجت من البحر، لها رؤوس
كرؤوس السباع. ولم تر قبل ذلك ولا بعده.
وقالت عائشة رضي الله عنها: هي أشبه شيء
بالخطاطيف.
وقيل: بل كانت أشباه الوطاويط، حمراء وسوداء.
وعن سعيد بن جبير أيضا:
هي طير خضر لها مناقير صفر.
وقيل: كانت بيضا.
وقال محمد بن كعب: هي طير سود بحرية،
في مناقيرها وأظفارها الحجارة.
وقيل: إنها العنقاء المُغرِب التي تضرب بها
الأمثال؛؛ قال عكرمة: "أبابيل" أي مجتمعة.
وقيل: متتابعة، بعضها في إثر
بعض؛ قال ابن عباس ومجاهد. وقيل مختلفة متفرقة،
تجيء من كل ناحية من ها هنا وها
هنا؛ قال ابن مسعود وابن زيد والأخفش.
قال النحاس: وهذه الأقوال متفقة، وحقيقة
المعنى: أنها جماعات عظام. يقال: فلان يؤبل على فلان؛
أي يعظم عليه ويكثر؛ وهو
مشتق من الإبل. واختلف في واحد (أبابيل)؛
فقال الجوهري: قال الأخفش يقال: جاءت
إبلك أبابيل؛ أي فرقا، وطيرا أبابيل. قال:
وهذا يجيء في معنى التكثير، وهو من
الجمع الذي لا واحد له. وقال بعضهم:
واحده أبول. مثل عجول.
وقال الدميري في كتابه حياة الحيوان عند الحديث عن طير الأبابيل أنها
السنونو وقال وهو الذي يأوي الآن في المسجد الحرام الواحدة سنونة وهو يتحدث عن
زمانه حيت توفي سنة 808 هـ،
وقال في موضع آخر من كتابه أن السمائم جمع سمامة ضرب
من الطير يشبه الخطاف لا يقدر على بيضه،
وقيل هو السنونو وهو الطير الأبابيل الذي
أرسله الله تعالى على أصحاب الفيل.
انتهى كلام الدميري.