كان ذلك في أحد أيام الربيع حين خرج قطيع المعز ليرعى. وفي طريق عودته مساء تأخرت عنزة عجوز عن موكب رفيقها وكان قد أنهك قواها التعب والعجز فضلت سبيلها , ثم أوت إلى كهف قريب وما كادت تطأ أرضا حتى ابصرت أسدا جاثما في إحدى زواياها , فذعرت لمنظره , وقالت في نفسها : لو جرت أن أهرب سوف يلحق بي الأسد ويمزقني تمزيقا . فلابد لي إذن من التظاهر بالشجاعة من الخلاص . وهكذا سارت إلى الأسد دون أن تبدي الرعب , فنظر إليها ملك الوحوش , وحدق فيها طويلا وقال في نفسه : لا مكن أن يكون هذا الحيوان عنزة . لابد أنه مخلوق غريب لم يسبق لي أن رأيته في حياتي . ثم تقدم منها وسألها : من أنت ؟ قالت العنزة بشجاعة : إني ملكة النعز , لقد نذرت أن أفترس مئة ذئب وعشرة أسود , انتقاما لبنات جينسي اللواتي قضين ظلما , وقد افترست حتى الآن جميع هؤلاء وبقي أمامي الأسود فقط , أصيب الأسد بما يشبه الخبل , حين سمع هذا الكلام , لكنه تظاهر بأنه يود غسل وجهه عند حافة النهر . وما كاد يجتاز باب الكهف حتى صادفه ابن آوى الذي لاحظ الرعب على وجه الأسد , فاقترب يسأله عن حاله , وما أله به , فسرد الأسد باختصار ما جرى له مع العنزة . وكان الحيوان الصغير ذكيا فلم يصدق هذه اللعبة . وهكذا أقتنع الأسد بالعودة , أبصرتهما العنزة قادمين من بعيد , فأدركت ما حدث لكنها استجمعت كل شجاعتها .... ثم تقدمت منهما , وقالت إلى ابن آوى : أبهذه الطريقة تنفذ وصيتي لقد طلبت منك عشرة أسود , فعدت لي بأسد واحد فقط .... ولما سمع الأسد هذا الخطاب , غضب وانقض على الحيوان المذعور وهشمه , ثم أنطلق هاربا بين الغابات.