الأمراض
النفسية تماما مثل الأمراض الجسدية، لها درجات ومستويات تتراوح بين الخفيف
والمتوسط الذي لا يشكل تهديدا للحياة، والمزمن الذي يهدد حياة المريض إذا
لم يتم التدخل الطبي العاجل، فعلى سبيل المثال أمراض القلق والتوتر
والاكتئاب لا تشكل خطرا على حياة الإنسان إذا كانت حالات خفيفة أو عارضة
(طارئة) بسبب ظروف أو أحداث معينة مرت على المريض. على أي حال، أمراض القلق
والتوتر والاكتئاب إذا زادت حدتها أو مدتها فإنها قد تؤدي للانتحار.
وفي
الواقع، فإن درجة أو مرحلة المريض النفسي تندرج تحت عنوان Neurosis أو ضمن
تصنيف Psychosis والذي أصدرته الجمعية الأميركية لأطباء النفس وصنفت فيه
الأمراض النفسية تحت أحد الأجزاء الستة عشر.
وإن العالم النفسي العالمي
المعروف كارل مننجرخرج بما يسمى بمتلازمة أو سلسلة الأمراض النفسية، وفيها
قسم مننجر الأمراض النفسية إلى خمسة مستويات أو مراحل تتطور أو تنقلب
إليها الصحة النفسية للإنسان بحيث تبدأ المراحل بالشذوذ أو التوعك البسيط
مقارنة بالصحة العقلية الطبيعية كما عرفها مننجر (والتي سنأتي على ذكرها
بعد قليل) إلى درجة المرض النفسي الخطير والذي يصل إلى درجة اليأس من
الحياة وعدم القدرة على مواجهة أعبائها النفسية.
فيما يلي شرح مختصر لمستويات أو مراحل الصحة العقلية والتي تتطور إليها الصحة العقلية للإنسان والتي يصفها مننجر على أنها:
القدرة
على التحكم وضبط النفس في مواقف التوتر والانفعال والقدرة على التكيف على
تحديات ومشاكل الحياة بدون آثار صحية بدنية ونفسية سلبية.
مستويات (مراحل) الأمراض النفسية:
حسب
رأي مننجر فإن الصحة العقلية للإنسان كل لا يتجزأ، وبالتالي فإن المرض أو
الأمراض النفسية ما هي إلا سلسلة متعاقبة من الحالات أو الأمراض النفسية.
ودرجة تأثر الصحة العقلية كما عرفها مننجر تعتمد على مستوى الخلل الذي حدث
في الصحة العقلية وإن الصحة العقلية يحدث فيها الخلل على خمسة مستويات أو
مراحل هي:
المرحلة الأولى وهي مرحلة العصبية
حسب تعريف مننجر
فإن العصبية هي انحراف خفيف (لكن مؤكد) في شعور الإنسان بقدرته على التحكم
بمجريات حياته وعدم قدرته على التكيف مع مشاكل الحياة، وحسب رأي مننجر، فإن
هذا الانحراف البسيط في المشاعر يعتبر شيئا طبيعيا عند الإنسان طالما أنه
مؤقت ويزول بزوال السبب أو الظرف المؤدي له.
المرحلة الثانية: الاضطراب المتزايد:
في
هذه المرحلة، تحدث معظم الأمراض النفسية التي تصنف تحت عنوان أو تصنيف ألـ
Neurosis والتي نادرا ما تحتاج للدخول للمستشفى للعلاج حيث أن المريض يظل
على اتصال مع الواقع، لكن مع هذا فإن المريض يعاني من آلام نفسية تحتاج إلى
أنشطة تؤدي لتخفيف التوتر والقلق.
فيما يلي الأمراض النفسية التي تأتي في هذه المرحلة:
1- أمراض القلق: تعتبر أمراض القلق النفسي من أكثر الأمراض النفسية شيوعا وتنقسم إلى قسمين هما:
1- أمراض القلق عامة : Generalized Anxiety Disorder
يشمل
هذا القسم جميع مشاعر الإنسان بالخوف من المجهول ومن الشخص الغريب أو
المكان الغريب إضافة إلى مشاعر العجز وقلة الحيلة ومشاعر عدم الأهمية التي
يشعر بها الإنسان نحو نفسه وذاته (مشاعر النقص وعدم الكفاءة أمام الآخرين).
باختصار، التشاؤم من المستقبل وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين بصورة طبيعية هو أهم مواصفات المريض في هذا القسم من أمراض القلق.
2- القسم الثاني من أمراض القلق هي عبارة عن مجموعة من الأمراض النفسية والتي تشمل:
- أمراض الهلع والخوف الشديد من أشياء وأماكن معينة.
- أمراض الهوس والاستحواذ لفكرة أو سلوك معين.
- الأمراض الجسدية النفسية.
- أمراض فقدان الاتصال مع الواقع.
- الاكتئاب.
المستوى أو المرحلة الثالثة: مرحلة الانحسار
حسب
رأي مننجر، فإن المريض الذي يصل إلى مرحلة الانحسار يفقد القدرة تماما على
عواطفه وسلوكياته، وبالتالي يحدث التغيير في شخصية الفرد بحيث يؤدي هذا
التغيير إلى صدور تصرفات سلوكية غير طبيعية من المريض في تعامله مع الآخرين
وفي شتى المواقع أو يصبح المريض قلقا وخائفا بشكل متواصل وغير طبيعي أو
ربما يلجأ إلى تصرفات سلوكية عدوانية نحو الآخرين والمجتمع.
وبالتالي
إذا وصل المريض إلى هذه المرحلة من العدوانية ضد المجتمع والآخرين فإنه
يصبح خطرا يهدد المجتمع وسلامة الآخرين وذلك للأسباب التالية:
· المريض قد وصل إلى مرحلة الفقدان الكامل والتام على السيطرة على عواطفه وسلوكه.
·
المريض قد يظهر في البداية بسلوك ودي ولطيف وينتزع إعجاب وثقة الآخرين
ولكن هذا القناع الزائف من الود والطيبة يخفي تحته شخصية فقدت جميع العطف
والشفقة والإحساس بالذنب أو العار أو الندم عند ارتكاب السلوكيات التي تؤذي
الآخرين، وبالتالي قد يتحول بعض المرضى إلى مجرمين لا يتورعون عن قتل
الناس دون أي شفقة أو رحمة ولأتفه الأسباب.
المرحلة الرابعة: الفقدان التام للإدراك والإحساس بالواقع
هذا
المستوى يضم مجموعة من الأمراض النفسية التي يفقد فيها المريض إدراكه
وإحساسه بالواقع أي يفقدون الاتصال بواقع الحياة والمجتمع الذي يعيشون فيه.
وإن أكثر أمراض هذا المستوى انتشارا هما مرض الشيزوفرينيا Schizophrenia
ومرض تقلب المزاج العاطفي والانفعالي Mood-disorders
المرحلة الخامسة: اليأس من الحياة
الانتحار
هي أقصى درجات المرض النفسي والعقلي حسب تصنيف مننجر لمراحل ومستويات
التخلف العقلي، وحسب دراسات عديدة فإن من يقدمون على الانتحار كرد فعل لمرض
نفسي (أو جسدي) مزمن أو حادثة أو ظرف معين تظهر عليهم أعراض مبكرة تنم عن
شخصية لديها ميل واستعداد قوي للانتحار