التماس حب الله - عز وجل -:
يستطيع
المؤمن الذي اتخذ من القرآن والسنة منهجاً لحياته أن يتلمس أثر حب الله
ورضاه في نفسه، وذلك بطرق مختلفة أهمها رضاه عن الله - عز وجل -، فمن كان
راضياً عن الله - عز وجل - كان ذلك من أبلغ الدلائل على رضا الله عنه.
وقد أكّد ابن قيم الجوزية أن العبد يستطيع أن يتلمس أثر حب الله في قلبه في مواطن عديدة منها:
"الموطن الأول: عند أخذ المضجع حيث لا ينام إلا على ذكر من يحبه وشغل قلبه به.
الموطن الثاني: عند انتباهه من النوم، فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر محبوبه.
الموطن
الثالث: عند دخوله في الصلاة، فإنها محكُ الأحوال وميزان الإيمان... فلا
شيء أهم عند المؤمن من الصلاة، كأنه في سجن وغمّ حتى تحضر الصلاة، فتجد
قلبه قد انفسح وانشرح واستراح، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
لبلال: "يا بلال أرحنا بالصلاة ".
الموطن الرابع: عند الشدائد
والأهوال، فإن القلب في هذا الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء إليه ولا يهرب
إلا إلى محبوبه الأعظم عنده ".
وتزداد الحاجة إلى الثبات في هذا
الموطن الأخير لكون المؤمن أشد عرضة للبلاء من غيره من البشر، خاصة إذا
أراد أن يصل إلى الحب المتبادل بينه وبين الله - عز وجل -.
فوائد حب الله - عز وجل -:
إن
أول فائدة تعود على المؤمن الذي يحبه الله - عز وجل - هي أن يجعله من
عباده المخلصين، فيصرف بذلك عنه السوء والفحشاء، قال - تعالى -: " كذلك
لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " يوسف: 24.
وهذا
الإخلاص يحصل للمقربين الذين جاهدوا في الله حق جهاده، أما المؤمن فينال
من هذا الإخلاص على قدر قربه من الله، إلا أن علامات حب الله - عز وجل - أن
يجعل الله له المحبة في أهل الأرض، جاء في صحيح مسلم تعليقاً على قوله -
تعالى -: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً " مريم،
96. أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الآية: " إذا أحب
الله عبداً نادى جبريل: إني أحببت فلاناً فأحبه فينادي في السماء ثم ينزل
له المحبة في أهل الأرض ".
ومن فوائد حب الله - عز وجل -
التي يجنبها المؤمن في الآخرة غفران الذنوب، لقوله - تعالى -: " قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " آل عمران، 31.
ومنها
الفوز والنجاة من عذاب يوم القيامة، يروى انه سئل يعض العلماء أين تجد في
القرآن ان الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فقال في قوله - تعالى -: " وقالت اليهود
والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذ1نوبكم؟! بل أنتم بشر ممن
خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) المائدة، 18.
لهذا أدرك علماء
الإسلام أهمية حب الله - عز وجل - فكانوا يسألونه - تعالى -هذا الحب في
دعائهم، ومن أدعيتهم في هذا المجال: " اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب
عمل يقربني إلى حبك، اللهم ما رزقتني مما أحب فأجعله قوة لي فيما تحب، وما
زويت عني مما أحب فأجعله فراغاً لي فيما تحب، اللهم اجعل حبك أحبّ إليّ من
أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببني إلى ملائكتك وأنبيائك
ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله وأرضيك بجهدي كله،
اللهم اجعل حبي كله لك، وسعيي كله من مرضاتك ".
فليس بعد هذا الدعاء إلا التأكيد على أن من لم يكفه حب الله فلا شيء يكفيه، ومن لم يستغن بالله فلا شيء يغنيه.
بقلم
نهى قاطرجي