إرادة الله ثم هم
سعيد بن محمد آل ثابت
سئموا
المذلة والركوع لغير المستحق لها , ولكنهم رغم طول الحقب الماضية استمروا
يُسقطون ممارسات أسيادهم على الرؤية الثاقبة , والنظرات البعيدة , والبؤرة
المتسعة .. أو عسى حادث يغير !
ومن ثم أتى عقلاؤهم ومثقفوهم ليكشفوا
الخبايا , ويُحللوا المواقف ويوجدوا المنافذ والحلول , لكن الشعب الأعزل
استمر مسالماً يتمنى أقل الحلول إنصافاً لحقه , ويرجو أيسر السبل بحثاً عن
أبعد الطرق من المواجهة , و هنا يأتي دور الحكومة العربية لتجلي كل من يريد
التأثير على الجمهور الهزيل , و تقذفه بالجهل والعمالة , وهو عنها بعيد ,
وهم منها أقرب .
ومنذ شروع هؤلاء الحكام في فرض ما أُدلجوا عليه (سواء
من قبل الخارج أو المقربين) ليتعاطوا مع هموم أوطانهم بالسلبية , ويبدؤوا
ليسمنوا خزائنهم , ويتركوا لسفهائهم التصرف و الإبادة , ويشرعوا هم في
إرضاء الغرب , وخيانة أنفسهم و شعوبهم ...
شرع المثقفون والعقلاء في
إشعال البيانات , والاستنكارات , وأراد الباحثون من خلال البحوث العلمية ,
والنقاشات وضع الحلول الإستراتيجية في وقف الديكتاتوريات , والزحف
الاستبدادي . وباتت مجالس الأمة و القمم العربية تقوض أجندتها لتقذف بها في
بر الأمان , واستقرت الدول الخارجية مطمئنة في هذا المشهد المخيب تجاه
تلكم الشعوب الضامرة وهم مع كل يوم يزيد اختناقهم , ويزداد هزلهم , وتضعف
أركانهم (زعماً منا) !
لقد رضي الشعب بأنصاف الحلول بل وأصفارها , ورضوا
وذلوا , ونسوا تاريخهم العريق وماضيهم المجيد , لقد جهلوا فطرة الله في
البشر , وسننه في الخلق , لقد مجدوا البشر حين ساواهم الله , وقدسوا
الوضعيات حين أبدلها الله بخير منها.. لقد كانت شعوب المسلمين تملك السيادة
في دستورها وهي لا تعلم , رضت بالذل والدون , وتنازعت فيما بينها ليعلوا
على نزاعها من شاء فيما يشاء .
لكن شاء الله ثم شاء ذلكم الشعب أن يجعل
حداً لتلكم المهازل , وأن يخيب ظنوننا فيه , فقد باتت الاجتماعات
والاستنكارات تتقازم أمام صدور أولئكم الصامدين .. من كان يظن أن أولئك هم
من جعل الله في أيديهم لف عجلة التاريخ تجاه منحىً لم يكن بالمأمول , ولا
بالمنتظر ؛ ثم ليقدموا الأرواح رخيصة في سبيل القضاء على العملاء .
ربما
غاب عن ذهنهم قول الحق : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 , وفات عقولهم : {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... }الحجرات10 , لكن أيقنوا أن هناك فرصة للتأثير
, وقدرة على التغيير بعدما تمعنوا :{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ
بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
}الرعد11 . واستقر في نفوسهم حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول :" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع
وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .
أما
الحكام فلقد اندرس في ذهنهم ضعف الشعب والجماهير المملينة , لقد اهتموا
بالنخب , وأضاعوا العوام , لقد نهجوا الخطأ , ومجوا الصواب .. بل ساد في
ذهنهم استيطانهم على العقول بالكلام والهرطقات المزيفة , والصور اللامعة ,
وأن التغيير والسيادة باتت بأيديهم ونسوا و تناسوا سنن الله ؛ لقد أجادوا
في استخدام الحلول والإمكانات في سبيل القمع والترويع , ولم يعلموا أن
إرادة الحق –جل وعلا- قبل إرادتهم , وإرادة الشعوب أوثق وأسمى ..عَنْ أَبِي
مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ
يُفْلِتْهُ " . ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ
الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ سورة هود آية
102 .
لم يعلم الظلمة والسفاكون والمنافقون منهم ما أدى بهم إلى هذه
المرحلة إلا بعدهم عن الدين الذي كانوا أبعد الناس منه , وأشد عداوة لأهله ,
وقد أرضوا ضمائر الغرب دون ضمائر أبناء لحمتهم , وقدموا كمالياتهم على
حاجات أوطانهم , ولكن من أصدق من الله قيلاً:" َكدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ
وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ
بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ{52} ذَلِكَ
بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{53}
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ
رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ
وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ{54} إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ
الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ{55}"الأنفال .
أيها الحكام !
لعل
فيمن بقي أن يعزم التغيير فيما بقي , وليعلم أن هناك أفئدة لا تتكلم إلا
بالأفعال , وتقديم الأجساد رخيصة في سبيل حريتها , وأما إن استمرت
الممارسات الديكتاتورية فيبدو أن اجتماعات القمة العربية ستكون للتعارف
وفقط للأعوام القادمة .